إذا ما أراد رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ضبط إيقاع مؤتمر السلام، فإنني اقترح عليهم الاستماع إلى أحد الأعمال الموسيقية التي حققت نجاحا كبيراً في أميركا خلال الآونة الأخيرة وهو عمل عنوانه "الكل يحلم أحلاماً كبيرة، ولكن ينتهي به الأمر إلى الاكتفاء بتدبير أموره فحسب". ومؤتمر السلام الذي بدأ أمس الثلاثاء، يبدو كما لو أنه سيصبح حالة نموذجية لدراسة ما يمكن أن يحدث عندما تتم الدعوة لمؤتمر سلام يحمل في طياته توقعات كبيرة، ثم ينتهي به المآل إلى الارتطام بحقائق الواقع. رغم ذلك، يمكن لمؤتمر أنابوليس أن يصبح نقطة انطلاق لمرحلة تالية، وهو ما يمكن تحقيقه إذا ما تحمل الإسرائيليون والفلسطينيون قدراً أكبر من المخاطر، ولعبت إدارة بوش دوراً أكثر مباشرة وقوة من الدور الذي لعبته حتى الآن. لقد شاركت في التخطيط للعديد من المفاوضات والمؤتمرات والقمم، وأستطيع القول من واقع خبرتي التي اكتسبتها خلال ذلك، إن مؤتمراً مثل المؤتمر الذي عقد بالأمس، يمكن أن يكون مفيداً لإنجاز شيئين: إما لإطلاق عملية سلام، على غرار مؤتمر مدريد الذي عقد في أكتوبر 1991، والذي أطلق عملية مفاوضات دبلوماسية غير مسبوقة بين العرب والإسرائيليين، أو لاختتام عملية سلام كما كان الحال بالنسبة لقمة "واي ريفر" التي عقدت في أكتوبر 1998، والتي أسفرت عن اتفاقية تنص على توفير الأمن للإسرائيليين مقابل انسحاب تدريجي لقواتهم من الأراضي الفلسطينية. كان الغرض المتوخى من عقد مؤتمر أنابوليس في البداية هو التوصل إلى شيء أشبه ما يكون بمجموعة من التفاهمات حول الطريقة التي سيتم بها حل القضايا الجوهرية مثل القدس والحدود واللاجئين، لكن بعد أن واجه المؤتمر بعض الفجوات والمحددات والقيود السياسية، فإن الولايات المتحدة لم تجد أمامها سوى تخفيض سقف طموحاتها. لقد أظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي ورئيس السلطة الفلسطينية أنهما يحبان بعضهما، وأنه يمكنهما العمل معاً لاسيما- وهذا شيء قد لا ينتبه له الكثيرون- بعد أن أجريا في الثلاثة شهور الأخيرة عدداً من المناقشات الجادة حول القضايا الجوهرية يفوق أي عدد سابق لأي زعيمين فلسطيني وإسرائيلي إجراءه منذ أن بدأت المباحثات بينهما. لذلك يمكن القول إننا لو أضفنا العزيمة التي تتمتع بها رايس، والإنجازات التي تحققت من خلال المحادثات بين الرجلين بشأن القضايا الجوهرية، فإنه يمكن أن نتوقع أن يتوصلا إلى شيء ما. لكن يجب أن يكون معلوماً في هذا السياق أن النجاح لن يتحقق قبل مضي أسابيع بل وربما شهور من المباحثات الجادة التي ستلي انتهاء المؤتمر. وفي تلك المباحثات، سيكون أمام الإسرائيليين، الكثير من الخيارات التي يجب عليهم أن يتخذوها، وهو ما سينطبق أيضاً على الولايات المتحدة في إطار دورها الذي اختارت أن تقوم به، أي دور الوسيط أو الدولة التي تعمل على تسهيل التوصل إلى حل. إن الاتفاقيات المكتوبة- كما أثبتت التجربة- لا تساوي ثمن الورق الذي تكتب عليه ما لم تتحول إلى عمل ملموس، وهو ما ينطبق تماماً على محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. والمطلوب حالياً هو أن يتم تشجيع الطرفين على تبادل الأفكار والمفاهيم، وعلى الاضطلاع بمسؤولية المفاوضات بينهما. أما إذا ما بقيت الفجوات -ومن المؤكد أنها ستبقى- فإن الولايات المتحدة لن يكون أمامها في تلك الحالة سوى تقديم المقترحات، على أساس أنها ملزمة في نهاية المطاف بمساعدة الطرفين على التوصل إلى اتفاقيات رسمية مكتوبة. وحتى إذا لم تصل تلك المباحثات إلى هذه النقطة، فإن الإدارة الأميركية يجب أن تفكر جدياً بشأن تقديم أفكارها الخاصة بخصوص الموضوعات الجوهرية عام 2008، تماماً مثلما فعل الرئيس السابق بيل كلينتون في نهاية فترته في الحكم عام 2000. وإذا ما أخذنا في اعتبارنا حقائق الأوضاع الفلسطينية، فإن أميركا يجب أن تعرف أنه لن يكون من الممكن التوصل إلى، أو إنجاز، أي اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما لم يعلو صوت السياسة على صوت السلاح في الأراضي الفلسطينية. فإذا ما علا صوت السلاح فلن يتحقق شيء لأن الإسرائيليين سوف يتساءلون في هذه الحالة: ما الذي يدعوهم لتقديم تنازلات مؤلمة لشريك فلسطيني ليس لديه الرغبة في تقديم تنازلات مماثلة؟ ويجب على الولايات المتحدة أن تركز جهودها على تقوية وضع عباس، على الأقل لمساعدته على الاستمرار في المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية نهائية يترتب عليها تحسين حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة أيضاً إذا ما كان ذلك ممكناً لأن هذه هي الحالة التي ستتيح لعباس التفاوض من موقع القوة مع "حماس". ربما لن يكون الوقت المتبقي كافياً كي يرى الرئيس بوش الدولة الفلسطينية التي وعد بها وقد تبلورت على الأرض، لكن يكفيه -على الأقل- أن يكون هو الرجل الذي قدم مقترح حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام... وهذا في حد ذاته -إذا ما أخذنا المدى الذي تدهورت إليه عملية السلام بين العرب والإسرائيليين في الاعتبار- سيكون إنجازاً أفضل كثيراً من الاكتفاء بتدبير الأمور فحسب. ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"